0
اخطاء اللجنة العليا للأنتخابات

سقط نظام مبارك حين أصبح القانون بلا معنى، وصارت قرارات محكمة النقض بلا قيمة، ولم تعد هناك جهة واحدة فى الدولة تستجيب لتنفيذ الأحكام القضائية، ولم يجد الناس سبيلاً للعدالة إلا النزول إلى الشارع للحصول على حقوقهم بأيديهم. خذ مثلاً الأحكام الصادرة بشأن بطلان مجلس الشعب فى انتخابات 2010، فالقضاء نظر أكثر من 3700 طعن فى العملية الانتخابية، وصدر أكثر من 1500 حكم قاطع تشمل بطلان التصويت، أو إعادة الانتخابات فى عدد من الدوائر، ثم لم تمتثل السلطة لأى من هذه الأحكام، وقدمت استشكالات غير قانونية أمام محاكم غير مختصة لوقف تنفيذ الأحكام الصادرة عن قضاء مجلس الدولة الذى كشف عوار الانتخابات بعنف، وأزال الأقنعة عن عمليات التزوير فى العلن، أو فى الكواليس.

المأساة الآن أن القانون أيضاً أصبح محل شك، والأحكام القضائية صارت بلا معنى، والتشريعات الصادرة عن البرلمان باتت بلا قيمة أمام اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة، فرغم الأداء المبهر للمصريين وللجيش وللشرطة وللقضاة المشرفين على الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، فإن اللجنة العليا برئاسة المستشار فاروق سلطان تركت ثغرات هائلة فى هذا المشهد، قد تؤدى لاحقاً إلى تعكير صفو هذه النزاهة فى عمليات التصويت، أو تقودنا إلى مشهد مرتبك وجارح ومخيف بعد الجولة الثانية.


المستشار فاروق سلطان يعانى- للأسف- من فقدان القدرة على التواصل مع الناس، أو شرح حججه القانونية على الملأ، فى حين أن الملأ من الناس لا يثقون أساسا فى تركيبة اللجنة، أو على الأقل، هذا الملأ القادر على الحشد، والتعبئة، والغضب، وانتزاع العدالة بالقوة دون انتظار لمنح السلطة، أو عطايا أجهزة الدولة.


مدهش هذا المشهد الذى ظهر عليه سيادة المستشار فى المؤتمر الصحفى خلال إعلان نتائج التصويت، ففى الوقت الذى تفجرت أمام عينيه أسئلة حرجة وقاسية من الزملاء، مندوبى الصحف فى المؤتمر، لم يدرك المستشار أن الشارع يريد أن يفهم ما يفهمه سيادته، لا أن يصدق بلا أدلة، وبلا تفسير، وبلا دلائل قانونية.


المستشار فاجأنا حين عاير الصحفيين، وعاير الناس بعدم فهم القانون الدستورى، وفاجأنا أيضاً بأنه يفتقد الإدراك لحساسية الموقف السياسى فى الشارع، ويغيب عنه- سهوا أو عمداً- أن قطاعات كبيرة من الرأى العام لا تثق أساساً فى اللجنة، ومن هنا كان على الرجل أن يتخلى كثيراً عن عصبيته، وعن استعجاله، ويشرح الأسباب التى قضى على أساسها باستمرار الفريق شفيق فى السباق، والموقف من الفريق حال صدر حكم بدستورية قانون العزل.


حسناً يا سيدى، أنت تفهم فى القانون، ونحن لا نفهم، ومرحبا يا سيدى، أنت تتقن الدستور، ولسنا سوى مواطنين بسطاء، أفلا تعلم قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم العلم وعلمه)؟، ما الذى تعلمه إذن ولا يعلمه الناس؟، وما الذى يضيرك لو أنك شرحت للجماهير التى تعانى من فقدان الثقة هذه الأسس القانونية التى بنت عليها اللجنة موقفها تجاه الفريق؟


بالمناسبة، أنا شخصياً أصدق تماماًً أن هناك مواطنين عاديين، ليسوا مأجورين، أو مباحث، أو أمن دولة، أو فلولا من الحزب الوطنى، منحوا أصواتهم لشفيق بقناعة كاملة، ولا يجوز لى أن أطعن فى قناعات مواطنين من أبناء هذا البلد تحت أى شعار، ولكن المعنى الذى أقصده هو كيفية إقناع بقية المواطنين بعدالة الموقف القانونى للجنة تجاه شفيق، بينما يطارده قانون العزل، وتلاحقه عشرات البلاغات فى النيابة العامة، على الأقل كان يمكن تأجيل الانتخابات- مثلاً- حتى صدور قرار المحكمة الدستورية، والانتهاء من التحقيق فى بلاغات النيابة، لتأكيد عدالة موقف اللجنة، أو على الأقل، كان يمكن للمستشار فاروق سلطان أن يشرح للناس باستفاضة، وتفصيل داخل المؤتمر الصحفى، الأسباب القانونية التى دفعت اللجنة للاحتفاظ بالرجل ضمن السباق الرئاسى، رغم كل ما يحيط بهذا الموقف من شبهات.


لا يجوز هنا، وسط هذه الشبهات، أن تستكبر اللجنة علينا بما لديها من علم، وتهرول نافرة من الصحفيين، بما لديها من معلومات خلال المؤتمر الصحفى، وتدير ظهرها لتفسير القانون، وترفض الرد على دفوع الأطراف الأخرى. التفسير ضرورة قبل جولة الإعادة يا سيادة المستشار، وتبديد مناخ عدم الثقة هو واجبك الأول، وإلا تفقد اللجنة نزاهتها، وتفقد الجولة الثانية شرعيتها. لا نحب أن يكون العقل السياسى فى اللجنة العليا غائباً عن تفاصيل ما يجرى على الأرض، أو ألا تفهم اللجنة كيف كان الاحتقان من غياب الثقة فى القانون سبباً فى سقوط نظام مبارك، وكيف يمكن أن يكون الاحتقان أيضاً سبباً فى دفع البلاد نحو جحيم أعظم يتجاوز سقوط الأنظمة، إلى سقوط الدولة بالكامل، لا قدر الله.


اشرح موقفك الآن.. إن كانت مصر والعدالة من وراء القصد.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...
 
جميع الحقوق محفوظة @ مدونة شباب عصري
مدونة شباب عصرى © 2010 | عودة الى الاعلى
Designed by مدونة شباب عصري